responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 290
هَاتَانِ الْحَالَتَانِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يُفَوِّضُ الْعَبْدُ جَمِيعَ أُمُورِهِ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَيَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ نُورُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّه فَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ لَطَائِفِ الْأَسْرَارِ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّه عِبَارَةٌ عَنْ تَفْوِيضِ الْأُمُورِ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالِاعْتِمَادِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ عَلَى اللَّه تَعَالَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّه فِي كُلِّ الْمُهِمَّاتِ كَفَاهُ اللَّه تَعَالَى كُلَّ الْمُلِمَّاتِ لِقَوْلِهِ: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطَّلَاقِ: 3] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذَا الَّذِي أَمَرَ مُوسَى قَوْمَهُ بِهِ وَهُوَ التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّه هُوَ الَّذِي حَكَاهُ اللَّه تَعَالَى عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ [يُونُسَ: 71] وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ لِأَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَصَفَ نَفْسَهُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّه تَعَالَى، وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ قَوْمَهُ بِذَلِكَ فَكَانَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَامًّا، وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَوْقَ التَّمَامِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِنَّمَا قَالَ: فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا وَلَمْ يَقُلْ تَوَكَّلُوا عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُفِيدُ الْحَصْرَ كَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُمْ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَنَهَاهُمْ عَنِ التَّوَكُّلِ عَلَى الْغَيْرِ، وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ فَهُوَ مُلْكُهُ وَمِلْكُهُ وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ وَتَسْخِيرِهِ وَتَحْتَ حُكْمِهِ وَتَدْبِيرِهِ، امْتَنَعَ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَتَوَكَّلَ الْإِنْسَانُ عَلَى غَيْرِهِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ جَاءَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ قَبِلُوا قَوْلَهُ: فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا أَيْ تَوَكَّلْنَا عَلَيْهِ، وَلَا نَلْتَفِتُ إِلَى أَحَدٍ سِوَاهُ، ثُمَّ لَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ اشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ، فَطَلَبُوا مِنَ اللَّه تَعَالَى شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ قَالُوا: رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَفْتِنْ بِنَا فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ لِأَنَّكَ لَوْ سَلَّطْتَهُمْ عَلَيْنَا لَوَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنَّا لَوْ كُنَّا عَلَى الْحَقِّ لَمَا سَلَّطْتَهُمْ عَلَيْنَا، فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً قَوِيَّةً فِي إِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ فَيَصِيرُ تَسْلِيطُهُمْ عَلَيْنَا فِتْنَةً لَهُمْ. الثَّانِي: أَنَّكَ لَوْ سَلَّطْتَهُمْ عَلَيْنَا لَاسْتَوْجَبُوا الْعِقَابَ الشَّدِيدَ فِي الْآخِرَةِ وَذَلِكَ يَكُونُ فِتْنَةً لَهُمْ. الثَّالِثُ: (لَا تجعلنا فتنة لهم) أَيْ مَوْضِعَ فِتْنَةٍ لَهُمْ، أَيْ مَوْضِعَ عَذَابٍ لهم. الرابع: أن يكون المراد من فتنة الْمَفْتُونَ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ لَفْظِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ جَائِزٌ، كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، وَالتَّكْوِينِ بِمَعْنَى الْمُكَوَّنِ، وَالْمَعْنَى: لَا تَجْعَلْنَا مَفْتُونِينَ، أَيْ لَا تُمَكِّنَهُمْ مِنْ أَنْ يَحْمِلُونَا بِالظُّلْمِ وَالْقَهْرِ عَلَى أَنْ نَنْصَرِفَ عَنْ هَذَا الدِّينِ الْحَقِّ الَّذِي قَبِلْنَاهُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَأَكِّدٌ بِمَا ذَكَرَهُ اللَّه/ تَعَالَى قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ [يونس: 83] وَأَمَّا الْمَطْلُوبُ الثَّانِي فِي هَذَا الدُّعَاءِ فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ اهْتِمَامُ هَؤُلَاءِ بِأَمْرِ دِينِهِمْ فَوْقَ اهْتِمَامِهِمْ بِأَمْرِ دُنْيَاهُمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّا إِنْ حَمَلْنَا قَوْلَهُمْ: رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ عَلَى أَنَّهُمْ إِنْ سُلِّطُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ صَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً لَهُمْ فِي أَنَّ هَذَا الدِّينَ بَاطِلٌ فَتَضَرَّعُوا إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي أَنْ يَصُونَ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ وَقَدَّمُوا هَذَا الدُّعَاءَ عَلَى طَلَبِ النَّجَاةِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِنَايَتَهُمْ بِمَصَالِحِ دِينِ أَعْدَائِهِمْ فَوْقَ عِنَايَتِهِمْ بِمَصَالِحِ أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا يُمَكِّنَ اللَّه تَعَالَى أُولَئِكَ الْكُفَّارَ مِنْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ عَلَى تَرْكِ هَذَا الدِّينِ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ اهْتِمَامَهُمْ بِمَصَالِحِ أَدْيَانِهِمْ فَوْقَ اهْتِمَامِهِمْ بِمَصَالِحِ أَبْدَانِهِمْ وَعَلَى جَمِيعِ التقديرات فهذه لطيفة شريفة.

[سورة يونس (10) : آية 87]
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 290
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست